فصل: تفسير الآية رقم (78):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (78):

قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان قد نفي عن الأجرام السماوية ما ربما يضل به الخصم قال: {فلما رأى} أي بعينه {الشمس بازغة} أي عند طلوع النهار وإشراق النور الذي ادعوا فيه ما ادعوا {قال} مبينًا لقصور ما هو أكبر من النور وهو ما عنه النور {هذا} مذكرًا إشارتَه لوجود المسوغ، وهو تذكير الخبر إظهارًا لتعظيمها إبعادًا عن التهمة، وتنبيهًا من أول الأمر على أن المؤنث لا يصلح للربوبية {ربي} كما قال فيما مضى؛ ثم علل ذلك بيانًا للوجه الذي فارق فيه ما مضى فأورث شبهة، فقال: {هذا أكبر} أي مما تقدم {فلما أفلت} أي غربت فخفي ظهورها وغلب نورها وهزمه جيش الظلام بقدرة الملك العلام {قال يا قوم} فصرح بأن الكلام لهم أجمعين، ونادى على رؤوس الأشهاد.
ولما كانت القلوب قد فرغت بما ألقي من هذا الكلام المعجب للحجة، وتهيأت لقبول الحق، ختم الآية بقوله: {إني بريء مما تشركون} أي من هذا وغيره من باب الأولى، فصرح بالمقصود لأنه لم يبق في المحسوس من العالم العلوي كوكب أكبر من الشمس ولا أنور. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

إنما قال في الشمس هذا مع أنها مؤنثة، ولم يقل هذه لوجوه:
أحدها: أن الشمس بمعنى الضياء والنور، فحمل اللفظ على التأويل فذكر.
وثانيها: أن الشمس لم يحصل فيها علامة التأنيث، فلما أشبه لفظها لفظ المذكر وكان تأويلها تأويل النور صلح التذكير من هاتين الجهتين.
وثالثها: أراد هذا الطالع أو هذا الذي أراه.
ورابعها: المقصود منه رعاية الأدب، وهو ترك التأنيث عند ذكر اللفظ الدال على الربوبية. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَلَماَّ رَأَى الشمس بَازِغَةً} نصب على الحال؛ لأن هذا من رؤية العين.
بَزَغ يَبْزُغ بزوغًا إذا طلع.
وأفلَ يأفِلُ أفولًا إذا غاب.
وقال: {هذا} والشمس مؤنثة؛ لقوله: {فَلَمَّا أَفَلَتْ}.
فقيل: إن تأنيث الشمس لتفخيمها وعِظمها؛ فهو كقولهم: رجل نَسّابة وعلاّمة.
وإنما قال: {هَذَا رَبِّي} على معنى: هذا الطالِعُ ربِّي؛ قاله الكسائِيّ والأخفش.
وقال غيرهما: أي هذا الضوء.
قال أبو الحسن عليّ بن سليمان: أي هذا الشخص؛ كما قال الأعشى:
قامت تبكِّيه على قبرِهِ ** مَن لِيَ مِن بعدِك يا عامِرُ

تركتَنِي في الدار ذا غُرْبةٍ ** قد ذَلّ من ليس له ناصرُ

. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَلَمَّا رَأَى القمر بَازِغًا} أي مبتدئًا في الطلوعِ إثرَ غروبِ الكوكب {قَالَ هذا رَبّى} على الأسلوب السابق {فَلَمَّا أَفَلَ} كما أفل النجم {قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبّى} إلى جَنابه الذي هو الحقُّ الذي لا محيدَ عنه {لاَكُونَنَّ مِنَ القوم الضالين} فإن شيئًا مما رأيته لا يليق بالربوبية، وهذا مبالغةٌ منه عليه السلام في إظهار النَّصَفة، ولعله عليه السلام كان إذ ذاك في موضعٍ كان في جانبه الغربيِّ جبلٌ شامخ يستتر به الكوكب والقمر وقت الظهر من النهار أو بعده بقليل، وكان الكوكب قريبًا منه وأُفقُه الشرقيُّ مكشوفٌ أولًا وإلا فطلوعُ القمر بعد أفولِ الكوكب ثم أفولُه قبل طلوع الشمس كما ينبئ عنه قوله تعالى: {فَلَماَّ رَأَى الشمس بَازِغَةً}. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَلَماَّ رَأَى الشمس بَازِغَةً} أي مبتدأة في الطلوع مما لا يكاد يتصور، وقال آخر: إن القمر لم يكن حين رآه في ابتداء الطلوع بل كان وراء جبل ثم طلع منه أو في جانب آخر لا يراه وإلا فلا احتمال لأن يطلع القمر من مطلعه بعد أفول الكوكب ثم يغرب قبل طلوع الشمس انتهى.
وأنت تعلم أن القول بوجود جبل في المغرب أو المشرق خلاف الظاهر لاسيما على قول شيخ الإسلام لأن هذا الاحتجاج كان في نواحي بابل على ما يشير إليه كلام المؤرخين وأهل الأثر وليس هناك اليوم جبل مرتفع بحيث يستتر به الكوكب وقت الظهر من النهار أو بعده بقليل، واحتمال كونه كان إذ ذاك ولم يبق بتتالي الأعوام بعيد، وكذا يقال على القول المشهور عند الناس اليوم: إن واقعة إبراهيم عليه السلام كانت قريبًا من حلب لأنه أيضًا ليس هناك جبل شامخ كما يقوله الشيخ على أن المتبادر من البزوغ والأفول البزوغ من الأفق الحقيقي لذلك الموضع والأفول عنه لا مطلق البزوغ والأفول.
وقال الشهاب: إن الذي ألجاهم إلى ما ذكر التعقيب بالفاء ويمكن أن يكون تعقيبًا عرفيًا مثل تزوج فولد له إشارة إلى أنه لم تمض أيام وليال بين ذلك سواء كان استدلالًا أو وضعًا واستدراجًا لا أنه مخصوص بالثاني كما توهم على أنا لا نسلم ما ذكر إذا كان كوكبًا مخصوصًا وإنما يرد لو أريد جملة الكواكب أو واحد لا على التعيين فتأمل انتهى.
ولا يخفى أن القول بالتعقيب العرفي والتزام أن هذا الاستدلال لم يكن في ليلة واحدة وصبيحتها هو الذي يميل إليه القلب، ودعوى إمكان طلوع القمر بعد أفول الكوكب حقيقة وقبل طلوع الشمس وأفوله قبل طلوعها لا يدعيها عارف بالهيئة في هذه الآفاق التي نحن فيها لأن امتناع ذلك عادة ولو أريد كوكب مخصوص أمر ظاهر لاسيما على ما جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من أن رؤية القمر كانت في ءاخر الشهر.
نعم قد يمكن ذلك في بعض البروج في عروض مخصوصة لكن بيننا وبينها مهامه فيح، ولعله لذلك أمر بالتأمل فتأمل.
{قَالَ} أي على المنوال السابق {هذا رَبّى} إشارة إلى الجرم المشاهد من حيث هو لا من حيث هو مسمى باسم من الأسامي فضلًا عن حيثية تسميته بالشمس ولذا ذكر اسم الإشارة.
وقال أبو حيان يمكن أن يقال: إن أكثر لغة العجم لا تفرق في الضمائر ولا في الإشارة بين المذكر والمؤنث ولا علامة عندهم للتأنيث بل المؤنث والمذكر عندهم سواء فأشير في الآية إلى المؤنث بما يشار به إلى المذكر حين حكى كلام إبراهيم عليه السلام وحين أخبر سبحانه عن المؤنث ببازغة وأفلت أنث على مقتضى العربية إذ ليس ذلك بحكاية.
وتعقب بأن هذا إنما يظهر لو حكى كلامهم بعينه في لغتهم أما إذا عبر عنه بلغة العرب فالمعتبر حكم لغة العرب، وقد صرح غير واحد بأن العبرة في التذكير والتأنيث بالحكاية لا المحكي ألا ترى أنه لو قال أحد: الكوكب النهاري طلع فحكيته بمعناه وقلت: الشمس طلعت لم يكن لك ترك التأنيث بغير تأويل لما وقع في عبارته، وإذا تتبعت ما وقع في النظم الكريم رأيته إنما يراعي فيه الحكاية على أن القول بأن محاورة إبراهيم عليه السلام كانت بالعجمية دون العربية مبني على أن إسماعيل عليه السلام أول من تكلم بالعربية والصحيح خلافه.
وقيل: التذكير لتذكير الخبر وقد صرحوا في الضمير واسم الإشارة مثله أن رعاية الخبر فيه أولى من رعاية المرجع لأنه مناط الفائدة في الكلام وما مضى فات، وفي الكشاف بعد جعل التذكير لتذكير الخبر وكان اختيار هذه الطريقة واجبًا لصيانة الرب عن شبهة التأنيث ألا تراهم قالوا في صفة الله تعالى: علام ولم يقولوا علامة وإن كان العلامة أبلغ احترازًا من علامة التأنيث واعترض عليه بأن هذا في الرب الحقيقي مسلم وما هنا ليس كذلك.
وأجيب بأن ذلك على تقدير أن يكون مسترشدًا ظاهر، والمراد على المسلك الآخر إظهار صون الرب ليستدرجهم إذ لو حقر بوجه ما كان سببًا لعدم إصغائهم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {فلمَّا رأى الشمس بازغة} أي في الصباح بعد أن أفل القمر، وذلك في إحدى الليالي التي يغرب فيها القمر قبيل طلوع الشمس لأنّ الظاهر أنّ هذا الاستدلال كلّه وقع في مجلس واحد.
وقوله للشمس {هذا ربِّي} باسم إشارة المذكّر مع أنّ الشمس تجري مجرى المؤنّث لأنّه اعتبرها ربًّا، فروعي في الإشارة معنى الخبر، فكأنَّه قال: هذا الجرْم الذي تدعونه الشمس تبيّن أنَّه هو ربِّي.
وجملة {هذا ربي} جارية مجرى العلَّة لجملة {هذا ربِّي} المقتضية نقض ربوبية الكوكب والقمر وحصر الرّبوبيّة في الشمس ونفيها عن الكوكب والقمر، ولذلك حذف المُفضّل عليه لظهوره، أي هو أكبر منهما، يعني أن الأكبر الأكثر إضاءة أولى باستحقاق الإلهية. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {هذا أَكْبَرُ} المراد منه أكبر الكواكب جرمًا وأقواها قوة، فكان أولى بالآلهية.
فإن قيل: لما كان الأفول حاصلًا في الشمس والأفول يمنع من صفة الربوبية، وإذا ثبت امتناع صفة الربوبية للشمس كان امتناع حصولها للقمر ولسائر الكواكب أولى.
وبهذا الطريق يظهر أن ذكر هذا الكلام في الشمس يغني عن ذكره في القمر والكواكب.
فلم لم يقتصر على ذكر الشمس رعاية للإيجاز والاختصار؟
قلنا: إن الأخذ من الأدون فالأدون، مترقيًا إلى الأعلى فالأعلى، له نوع تأثير في التقرير والبيان والتأكيد لا يحصل من غيره، فكان ذكره على هذا الوجه أولى. اهـ.

.قال الألوسي:

وقوله تعالى: {هذا أَكْبَرُ} تأكيد لما رامه عليه الصلاة والسلام من إظهار النصفة مع إشارة خفية كما قيل إلى فساد دينهم من جهة أخرى ببيان أن الأكبر أحق بالربوبية من الأصغر، وكون الشمس أكبر مما قبلها مما لا خفاء فيه، والآثار في مقدار جرمها مختلفة.
والذي عليه محققو أهل الهيئة أنها مائة وستة وستون مثلًا وربع وثمن مثل الأرض وست آلاف وستمائة وأربعة وأربعون مثلًا وثلثا مثل للقمر، وذكروا أن الأرض تسعة وثلاثون مثلًا وخمس وعشر مثل للقمر، وتحقيق ذلك في شرح مختصر الهيئة للبرجندي. اهـ.

.قال الفخر:

المعنى أنه لما ثبت بالدليل أن هذه الكواكب لا تصلح للربوبية والإلهية، لا جرم تبرأ من الشرك.
ولقائل أن يقول: هب أنه ثبت بالدليل أن الكواكب والشمس والقمر لا تصلح للربوبية والإلهية لكن لا يلزم من هذا القدر نفي الشريك مطلقًا وإثبات التوحيد، فلم فرع على قيام الدليل على كون هذه الكواكب غير صالحة للربوبية الجزم بإثبات التوحيد مطلقًا.
والجواب: أن القوم كانوا مساعدين على نفي سائر الشركاء وإنما نازعوا في هذه الصورة المعينة فلما ثبت بالدليل أن هذه الأشياء ليست أربابًا ولا آلهة، وثبت بالاتفاق نفي غيرها لا جرم حصل الجزم بنفي الشركاء على الإطلاق. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالَ يا قوم إِنّى بَريء مّمَّا تُشْرِكُونَ} أي من إشراككم أو من الذي تشركونه من الأجرام المحدثة المتغيرة من حال إلى أخرى المسخرة لمحدثها، وإنما احتج عليه السلام بالأفول دون البزوغ مع أنه أيضًا انتقال قيل لتعدد دلالته لأنه انتقال مع احتجاب والأول: حركة وهي حادثة فيلزم حدوث محلها، والثاني: اختفاء يستتبع إمكان موصوفه ولا كذلك البزوغ لأنه وإن كان انتقالًا مع البروز لكن ليس للثاني مدخل في الاستدلال.
واعترض بأن البزوغ أيضًا انتقال مع احتجاب لأن الاحتجاب في الأول لاحق وفي الثاني: سابق، وكونه عليه السلام رأى الكوكب الذي يعبدونه في وسط السماء كما قيل ولم يشاهد بزوغه فإنما يصير نكتة في الكوكب دون القمر والشمس إلا أن يقال بترجح الأفول بعمومه بخلاف البزوغ.
والأولى: ما قيل: إن ترتيب هذا الحكم ونظيريه على الأفول دون البزوغ والظهور من ضروريات سوق الاحتجاج على هذا المساق الحكيم فإن كلًا منهما وإن كان في نفسه انتقالًا منافيًا لاستحقاق معروضه للربوبية قطعًا لكن لما كان الأول حالة موجبة لظهور الآثار والأحكام ملائمة لتوهم الاستحقاق في الجملة رتب عليه الحكم الأول أعني {هذا رَبّى} على الطريق المذكورة، وحيث كان الثاني حالة مقتضية لانطماس الآثار وبطلان الأحكام المنافيين للاستحقاق المذكور منافاة بينة يكاد يعترف بها كل مكابر عنيد رتب عليها ما رتب انتهى.
وبمعنى هذا ما قاله الإمام في وجه الاستدلال بالأفول من أن دلالته على المقصود ظاهرة يعرفها كل أحد، فإن الآفل يزول سلطانه وقت الأفول، ونقل عن بعض المحققين أن الهوى في (حضيض) الإمكان أفول؛ وأحسن الكلام ما يحصل فيه حصة الخواص وحصة الأوساط وحصة العوام فالخواص يفهمون من الأفول الإمكان وكل ممكن محتاج والمحتاج لا يكون (مقطعًا للحاجة) فلابد من الانتهاء إلى ما يكون منزهًا عن الإمكان حتى تنقطع الحاجات بسبب وجوده كما قال سبحانه: {وَأَنَّ إلى رَبّكَ المنتهى} [النجم: 42] وأما الأوساط فهم يفهمون من الأفول مطلق الحركة وكل متحرك محدث وكل محدث فهو محتاج إلى القديم القادر فلا يكون الآفل إلهًا بل الإله هو الذي احتاج إليه ذلك الآفل، وأما العوام فإنهم يفهمون من الأفول الغروب وهم يشاهدون أن كل كوكب يقرب من الأفول والغروب فإنه يزول نوره وينتقص ضوؤه ويذهب سلطانه ويصير كالمعزول ومن كان كذلك لم يصلح للإلهية ثم قال: فكلمة {لا أُحِبُّ الآفلين} مشتملة على نصيب المقربين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال فكانت أكمل الدلائل وأفضل البراهين.
وهناك أيضًا دقيقة أخرى وهو أنه عليه السلام إنما كان يناظرهم وهم كانوا منجمين ومذهب أهل النجوم أن الكوكب إذا كان في الربع الشرقي وكان صاعدًا إلى وسط السماء كان قويًا عظيم التأثير أما إذا كان غريبًا وقريبًا من الأفول فإنه يكون ضعيف الأثر قليل القوة فنبه بهذه الدقيقة على أن الإله هو الذي لا تتغير قدرته إلى العجز وكماله إلى النقصان، ومذهبكم أن الكوكب حال كونه في الربع الغربي يكون ضعيف القوة ناقص التأثير عاجزًا عن التدبير وذلك يدل على القدح في إلهيته.
ويظهر من هذا أن للأفول على قول المنجمين مزيد خاصية في كونه موجبًا للقدح في إلهيته.
ولا يخفى أن فهم الهوى في حضيض الإمكان من {فَلَمَّا أَفَلَ} [الأنعام: 77] في هذه الآية مما لا يكاد يسلم، وكون المراد فلما تحقق إمكانه لظهور أمارات ذلك من الجسمية والتحيز مثلًا قال إلخ لا يخفى ما فيه، نعم فهم هذا المعنى من {لا أُحِبُّ الآفلين} [الأنعام: 76] ربما يحتمل على بعد، ونقل عن حجة الإسلام الغزالي أنه حمل الكوكب على النفس الحيوانية التي لكل كوكب والقمر على النفس الناطقة التي لكل فلك، والشمس على العقل المجرد الذي لكل فلك، وعن بعضهم أنه حمل الكوكب على الحس، والقمر على الخيال والوهم والشمس على العقل، والمراد أن هذه القوى المدركة قاصرة متناهية القوة ومدبر العالم مستولي عليها قاهر لها وهو خلاف الظاهر أيضًا، وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب الإشارة نظير ذلك، وإنما لم يقتصر عليه السلام في الاحتجاج على قومه بأفول الشمس مع أنه يلزم من امتناع صفة الربوبية فيها لذلك امتناعها في غيرها من باب أولى.
وفيه أيضًا رعاية الإيجاز والاختصار ترقيًا من الأدون إلى الأعلى مبالغة في التقرير والبيان على ما هو اللائق بذلك المقام ولم يحتج عليهم بالجسمية والتحيز ونحوهما مما يدركه الرائي عند الرؤية في أمارات الحدوث والإمكان اختيارًا لما هو أوضح من ذلك في الدلالة وأتم، ثم إنه عليه السلام لما تبرأ مما تبرأ منه توجه إلى مبدع هذه المصنوعات وموجودها. اهـ.